الأحاديث الموضوعة والضعيفة حول مولد النبي صلى الله عليه وسلم
بقلم: اعلم ساوه أحمد حسنين ((نقلاً عن إخوان أون لاين))
إخواني الخطباء.. اعلم ساوه في شـهر ربيع الأول تكثر الخطابة حول مولد النبي صلى الله عليه وسلم، اعلم ساوه ويتوجه كثير من الخطباء والدعاة إلى كتب السيرة ليتزودوا بالأحاديث والآثار في مولده حتى بعثته، معتمدين على أن حكاية تلك الأحاديث على المنابر لا تحتاج إلى تمييزٍ بين الصحيح والضعيف؛ لأنـها في السير والمغازي، وهو مما كان يتساهل فيه العلماء، فهو أمر لا يتعلق بالحلال والحرام.
وأقول لإخواني الخطباء: انتبهوا فالسيرة النبوية منـهج عملي لسيد البشر وليس معنى تساهل المحدثين في روايتها أن نروي ما نشاء دون تحقيقٍ ما دام بعيدًا عن الأحكام الشرعية لأنـهم وضعوا شروطًا للعمل بالحديث الضعيف في غير الأحكام وهي:
* أن يندرج تحت أصل عام. اعلم ساوه فلا يصح أن يُروى ما يُخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً، وما أكثر الروايات المخترعة في مولده صلى الله عليه وسلم وصفة حمل أمـه به، وهواتف الجان في ليلة مولده وغيره مما سنبينـه إن شاء الله.
* وأن يكون الضعف غير شديدٍ فلا يصح أحاديث الكذابين والمتهمين ومن فحش غلطه.
* ألا يعتقد عند العمل بـه ثبوته لئلا يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.
فلا يصح أن نترك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ونتمسَّك بما لم يثبت، ومن التناصح بيننا في باب التحذير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة جمعت لكم أهم هذه الأحاديث المتعلقة بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لتحذروها فلا تذكرونـها إلا لبيان ضعفها أو وضعها، وما قدمناه لكم في صحيح السنن والآثار في مولده صلى الله عليه وسلم ما يغنيكم عن ذلك فنقول والله المستعان.
في نسبه صلى الله عليه وسلم:
تقدم معنا في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في قومـه ذا نسب، ولكن وردت أحاديث كثيرة حول طهارة نسبه كلها واهية أو ضعيفة جدًّا ولا حاجة بنا إليها، إذ يكفي من الأحاديث الصحيحة الخالية من المبالغات.
ومن ذلك: حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خرجت من لدُن آدم من نكاح غير سفاح” “قال الذهبي في السيرة النبوية (1/46): هذا حديث ضعيف فيه متروكان الواقدي وأبو بكر بن أبى سبرة ولكن معناه صحيح”.
وقال ابن كثير في البداية (2/238) “وقد ورد حديث في انتسابه إلى عدنان، وهو على المنبر ولكنَّ الله أعلم بصحته”. وما رواه ابن عساكر عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ولدتني بغي قط منذ خرجت من صلب آدم ولم تزل تنازعني الأمم كابرًا عن كابرٍ حتى خرجتُ من أفضل حيين من العرب: هاشم وزهرة”.
زواج عبد الله من آمنة:
زواج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهب ثابت مستفيض، وقد نسج بعضُ الكذابين حكايةً حول عبد الله أرادوا بها المبالغة بإضفاء طابع أسطوري على المولد النبوي. روى الخرائطي بإسناده إلي ابن عباس رضي الله عنـهما قال: لما انطلق عبد المطلب بابنـه عبد الله ليزوجه مرَّ بـه على كاهنةٍ من أهل تباله متهودة قد قرأت الكتب ويقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى هل لك أن تقع عليَّ الآن وأعطيك مائةً من الإبل؟ فقال عبد الله:
أما الحرام فالممات دونـه والحلُّ لا حِل فاســـتبينـه
فكيف بالأمر الذي تبتغينـه يحمي الكريم عرضه ودينـه
ثم مضى مع أبيه فزوجَّه آمنة بنت وهب فأقام عندها ثلاثًا ثم إنَّ نفسه دعته إلى ما دعته إليه الكاهنة فأتاها فقالت: ما صنعتُ بعدي فاخبرها فقالت: والله ما أنا بصاحبة ريبة ولكني رأيتُ في وجهك نورًا فأردتُ أن يكون فيَّ، وأبى الله إلا يجعله حيث أراد. رواه ابن عساكر (3/404)
قال د. أكرم ضياء العمري: “وهذه الرواية منكرة سندًا ومتنًا”، ومَن يقرأ الروايات المختلفة عنـها يُدرك مدى الاختلاف والاضطراب في سوقها سواء في تعيين المرأة: إذ هي مرة خثعمية وأخرى أسدية قرشية اسمـها قتيلة وثالثة عدوية اسمـها ليلى، وكذلك في صفة عبد الله عندما التقته فمرة هو مطين الثياب، وأخرى هو في زينته، ومثل هذا الاختلاف ينبغي أن يطرح من دراسات السيرة الجادة”.
وقد احتج بها جماعة من العلماء وأكثروا الكلام حولها منـهم الأستاذ محمد الصادق عرجون في كتابه محمد رسول الله (1/80- 86)؛ حيث يقول: “كان من الطبيعي في بيئة قريش ومكة بعد حادث نذر عبد المطلب وما انتهت إليه قصة الذبيح أن يتشرف كثيرات من النسوة إلى عبد الله بن عبد المطلب ليكون لهن وينجبن منـه…..”، وأما عن اختلاف الروايات فيقول: “ويظهر من تعدد الروايات واختلاف أسماء المتعرضات وأوصافهن أن قصة التعرض ربما تكررت مع أكثر من امرأة، وفى كلها حفظ الله والد رسوله صلى الله عليه وسلم حتى وضع نوره حيث أراد”.
صفة حمل آمنة به:
ولقد رُويت قصص وأخبار حول صفة حمل آمنة به، ولم يثبت منـها شيء، منـها ما رواه ابن سعد (1/58) عن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن ، والبيهقي عن ابن إسحاق قال: كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت بـه آمنة كانت تقول: ما شعرت أني حملت به، ولا وجدت ثِقَلَه كما تجده النساء، إلا أنني أنكرت رفع حيضتي وربما ترفعني وتعود، وأتاني آتٍ وأنا بين النائم واليقظان فيقول: هل شعرت أنك حملت؟ فأقول: ما أدري، فقال: إنك حملت بسيد هذه الأمة ونبيها.. فإذا وُضع فسميه محمدًا، قالت: فكان ذلك مما يقن عندي الحمل……” إلى آخره.. وفي إسناده الواقدي، وهو متروك الحديث.
وروى أبو نعيم في الدلائل (ص94): عن بريدة وابن عباس رضي الله عنـهما قالا: رأت آمنة وهي حامل برسول الله فقيل لها: إنك حبلى بخير البرية وسيد العالمين فإذا ولدتيه فسميه أحمد أو محمدًا وعلقي عليه هذه. فانتبهت وعند رأسها صحيفة من ذهب مكتوب عليها:
أعـيذه بالواحد من شر كل حاسد
وكل خـلق زائد من قائم وقـاصد
عن السـبيل حائد على الفساد جـاهد
من نافث أو عاقد وكل خـلق مارد
أنـهاهم عنـه بالله الأعلى، وأحوطه منـهم باليد العليا والكنف الذي لا يرى….. الخ قال أبو نعيم: وسنده واهٍ جدًا، وإنما ذكرته لأنبه عليه لشـهرته في كتب المواليد.
تاريخ مولده:
روى ابن عساكر (3/68) عن معروف بن حزَّبود قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين حين طلع الفجر.. قال الحافظ العراقي: الصواب أنـه صلى الله عليه وسلم وُلد في النـهار، وهو الذي ذكره أهل السير، وحديث أبي قتادة مصرح به. وروى عن سعيد بن المسيب قال: وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إبهار النـهار”، وجزم بـه ابن دحية وصححه الزركشي.
وكان مولده عام الفيل، وكل الروايات المخالفة معلولة الأسانيد، وهي تفيد أن مولده بعد الفيل بعشر سنين أو ثلاثة وعشرين سنة أو أربعين سنة، انظر دلائل النبوة للبيهقي (1/78).
ومما اشتهر على الألسنة أنـه قال: “ولدت في زمن الملك العادل” يعنى كسرى أنوشروان” قال الحافظ ابن حجر: إنـه كذبٌ باطل لا أصلَ له”، وقال الحليمي: هذا الحديث لا يصح وكذلك قال الحاكم والبيهقي والسخاوي وغيرهم.
وصف ولادته:
روى ابن سعد (1/101)، وأبو نعيم (1/172) عن حسان بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع على كفيه وركبتيه، شــاخصًا ببصره إلى السـماء” وزاد السهيلي في الروض الأنف (1/105): مقبوضة أصابع يده، مشيرًا بالسبابة كالمسبح بها”.
قال د. أكرم العمري:”وإسناده ضعيف وقواه بعضهم ولا تشده روايات الواقدي لأنـه متروك، كما لا تقويه تلك المراسيل عن التابعين من الطبقة الرابعة وهم حسان بن عطية وإسحاق بن عبد الله ومن بعدهم وهو داؤد بن أبي هند لاحتمال وحدة مصدرهم”.
روى أبو نعيم (1/172) عن ابن عباس رضي الله عنـهما قال: “كان في عهد الجاهلية إذا ولد لهم مولود من تحت الليل وضعوه تحت الإناء لا ينظرون إليه حتى يصبحوا فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرحوه تحت بُرْمة فلما أصبحوا أتوا البرمة فإذا هي قد انفلقت اثنتين وعيناه صلى الله عليه وسلم إلى السماء فعجبوا من ذلك”.
وهذا إسناد معضل، ورواه البيهقي في الدلائل (1/113) من مرسل أبي الحكم التنوخي وهو تابعي مجهول.
روى ابن سعد (1/130) وابن عدي (2/576) والطبراني في الصغير (2/145) وابن عساكر (3/412) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من كرامتي على ربي أني ولدتُ مختونًا ولم ير أحد سوأتي”.
قال أكرم العمري: “والأحاديث في ذلك كلها معلولة بعلل قادحة لا تنتهي مجتمعة للاحتجاج بها لأن معظمـها لا يخلو من وضاع أو متهم فحديث العباس عندا بن سعد فيه يونس بن عطاء وهو يروى الموضوعات، وحديث ابن عباس عند ابن عدى في إسناده جعفر بن عبد الواحد وهو متهم بالوضع، وحديث أنس عند الطبراني وفي إسناده سفيان بن محمد وهو واهن، وحديث أبى هريرة عند ابن عساكر وفي إسناده محمد بن كثير وإسماعيل بن مسلم”.
وقال الحاكم: تواترت الأخبار بأنـه صلى الله عليه وسلم ولد مختونًا. وتعقبه الذهبي: ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواترًا. وقيل: “إن جبريل ختنـه حين شق صدره”، رواه الخطيب عن أبى بكرة موقوفًا قال الذهبي: إنـه خبر منكر. وقيل: “إن جده ختنـه على عادة العربي” رواه أبو عمر قال العراقي: وسنده غير صحيح. ورغم ما في الرواية الأخيرة من ضعف قال الذهبي “إنـه أصح من حديث العباس أنـه ولد مختونًا.
قال العمري: “فسرور عبد المطلب بالمولود الذكر وقيامـه نحو اليتيم بالواجب من ختان ووليمة على عادة قومـه لا يحتاج إلي أدلة وقد وردت في ذلك روايات واهية”.
روى الطبراني والبيهقي عن العباس بن عبد المطلب رضى الله عنـه قال: قلت يا رسول الله دعاني إلي ال في دينك أمارة لنبوتك، رأيتك في المـهد تناغى القمر وتشير إليه بإصبعك فحيث ما أشرت إليه مال: قال: كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء وأسمع وجبته حين يسجد تحت العرش.
قال الإمام أبو عثمان الصابوني: هذا حديث غريب الإسناد والمتن. وقال البيهقي: تفرد بـه أحمد إبراهيم الحيلى وهو مجهول. وقال ابن أبى حاتم في الحلبي: لا أعرفه وأحاديثه باطلة موضوعة كلها ليس لها أصول”. وقال ابن حجر سنده واهٍ جدًا.
ما روى من الأحداث ليلة ولادته:
انتكاس بعض الأصنام: روى الخرائطي وابن عساكر عن عروة بن الزبير أن نفرًا من قريش منـهم ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وعبد الله بن جحش وعثمان ابن الحويرث كانوا عند صنم يجتمعون إليه فدخلوا يوما فرأوه مكبوبا على وجهه، فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلي حاله، فلم يلبث أن انقلب انقلابا عنيفا فردوه إلى حاله، فانقلب الثالثة، فقال عثمان: إن هذا لأمر حدث وذلك في الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عثمان أبيات منـها:
أيَّا صنم العيد الذي وصف حوله
يُنكس مقلوبا فما ذاك قـــل لنا
فإن كان من ذنب أسأنا فإننـــا
وإن كنت مغلوبًا تنكست صاغرًا
صناديد وفد عن بعيد ومن قُرب
أذاك سفيه أم تنكس للعـــتب
نبوء بإقرار ونلوي عن الذنــب
فما أنت في الأصنام بالسيد الرب
قال: فأخذوا الصنم فردوه إلى حاله فلما استوى هتف بهم هاتف من جوف الصنم بصوت جهير وهو يقول:
تردََّى لمــولود أضاءت لـنوره
وخرّت له الأوثان طـرًّا وأُرعدت
ونار جميع الفرس باخـت وأظلمت
وصدت عن الكـهان بالغيب جـنـها
فيا آل قـصي ارجعوا عن ضـلالكم
جميع فُجاج الأرض بالشرق والغرب
قلوب ملوك الأرض طرًا مـن الرعب
وقد بات شاه الفرس في أعظم الكرب
فلا مخـبر مـنـهم بحـــق ولا كذب
وهُبّوا إلي الإســلام والمنزل الرحب
أخرجه ابن عساكر(3/423).
وهذا حديث موضوع في إسناده وضاعان هما عبد الله بن محمد البلوى، وعمارة بن زيد.
ارتجاس ديوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نار المجوس:
روى ابن جرير الطبرى في تاريخه (2/143) وأبو نعيم في الدلائل (ص95) والبيهقي (1/126) عن مخزوم بن هاني عن أبيه قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس فيها إيوان كسرى وسقطت منـه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة… الحديث بطوله.
قال الذهبي في السيرة النبوية (1/44):”هذا حديث منكر غريب” وذكره ابن كثير بطوله في البداية (2/249) وقال:”هذا الحديث لا أصل له في شئ من كتب الإسلام المعهودة، ولم أره بإسناد أصلا”
الإخبار بليلة مولده: قال العمري: “كذلك وردت روايات ضعيفة عن إخبار يهود بليلة مولده وإخبار الراهب عيصا بمر الظهران بمولده.
قوله صلى الله عليه وسلم أنا ابن الذبيحين:
روى الحاكم في المستدرك (2/551) إسناده إلي عبد الله بن سعيد عن الصنابحي قال: حضرنا مجلس معاوية بن أبى سفيان، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم، فقال بعضهم: الذبيح إسماعيل وقال بعضهم: بل إسحاق الذبيح، فقال معاوية: سقطتم على الخبير، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه الأعرابي، فقال: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابسا هلك المال وضاع العيال فَعُد عليّ بما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه فقلنا: يا أمير المؤمنين، وما الذبيحان؟ قال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم….” الحديث
وسكت عليه الحاكم وتعقبه الذهبي يقول:”قلت إسناده واه”.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره(4/18) بعد أن ذكره من رواية ابن جرير:”وهذا حديث غريب جدا” وقال الألباني في الضعيفة (331):”لا أصل له بهذا اللفظ”.
قلت: معناه صحيح، والذبيحان إسماعيل عليه السلام وأبوه عبد الله، قال ابن القيم في الزاد(1/71) “وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، واما القول بأنـه إسحاق فباطل من عشرين وجهًا وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميه يقول: هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب مع أنـه باطل بنص كتابهم”.
ما روى أن الله أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به:
قبل بحث المسألة من الناحية الحديثية من جهة الصحة والوضع، أحب أن أقول أن الجنة أو النار من الأمور الغيبية التي يعلمـها الله وحده، ولا نحكم على أحد أنـه من أهل الجنة أو النار إلا بنص صحيح صريح لا يحتمل التأويل وبالنسبة لأبوي النبي صلى الله عليه وسلم فهما من أهل الفترة وأمرهما موكل الله عز وجل فإن شاء رحمـهم وإن شاء عذبهم وإن شاء اختبرهم، والله أعدل وأرحم من أن يعذب من لم يبلغه الرسالة”وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا”. ولا أحب أن يثير الخطيب هذه المسألة وأمثالها على المنبر أو في حديثه مع الناس لأنـه لا ينبني على الخوض فيها عمل، ولكنني ذكرت الأحاديث في هذا الموضوع ليكون الخطيب على علم بما رُوى فيها فإذا سئل عن الأحاديث أثبت الصحيح وبين الضعيف والموضوع وما أجمل موقف الأستاذ أحمد شاكر عند تحقيقه لتفسير ابن جرير (2/559) في هذه المسألة عند قوله تعالى ” وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ”(البقرة: من الآية119)قال رحمـه الله:”وأنا أرى أن الإفاضة في مثل هذا – يعنى الحكم على أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة أم النار – غير مجدية وما أمرنا أن تكلف القول فيه “. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة :”الذي أراه الكف عن التعرض لهذا إثباتًا ونفيا والله أعلم”.
فأنا لست مع الذين يسرفون في الاعتماد علي أحاديث موضوعة بإحيائهما ثم إيمانـهما،ولا مع الذين يحكمون باجتهادهم أنـهما من أهل النار ولكنى لا أخوض في الحكم فأمرهما إلى الله كما ذكرت من قبل.
الحديث الوارد في إحيائهما ثم إيمانـهما:
عن أبى غزيَّة محمد بن يحيى الزهري حدثنا عبد الوهاب بن موسى الزهري عن أبى الرحمن بن أبى الزناد ومالك قالا: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنـهما قالت: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فمر بي على عُقبة الحَجُون وهو باكٍ حزين مغتم فبكيت لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنـه طفق يقول: يا حُميرْاء استمسكي فاستندت إلى جنب البعير فمكث عنى طويلاً ثم عاد إلى وهو فرح مبتسم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، نزلت من عندي وأنت باك حزين مغتم فبكيت لبكائك، ثم إنك عُدت إلىَّ وأنت فرح مبتسم فمم ذاك؟ قال: ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحييها فأحياها، فآمنت بي وردها الله”.
أخرجه الخطيب في السابق واللاحق، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ(رقم 630) والسيوطي في اللآلي(1/266) وأورده ابن حجر في اللسان(4/192 رقم 510) والصالحي في سبل الهدى والرشاد 2/166) والشوكاني في الفوائد(ص322ح 5)وابن عراق في تنزيه الشريعة (1/333).
تفرد بهذا الحديث أبو غَزيَّة وتفرد بـه عنـه الكعبي بذكر مالك في إسناده، قال الدارقطني هذا كذب على مالك والحمل فيه على أبى غَزبَّة والمتهم بوضعه هو أو من حدث بـه عنـه.
وهذا الحديث حكم بوضعه الحافظ ابن ناصر، والجوزقاني وابن الجوزي والذهبي، وابن حجر في اللسان، وابن دحية والشوكاني وآخرون.
وقد أطال السيوطى في اللآلي على هذا الحديث وقال: والصواب الحكم عليه بالضعف لا بالموضع وقد ألف رسالتين في هذا الموضوع “الفوائد الكامنة في إيمان السيدة آمنة” و”التعظيم والمنة في أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلمفي الجنة”.
فإذن لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله أن يحيا والديه، فأحياهما الله ثم آمنا.
وأخذت العاطفة بعض الناس فأخذوا بالحديث رغم ضعفه منـهم الحافظ ابن ناصر الدمشقي (ت707)
فقال:
حبا الله النبي مزيد فضل
فأحيا أمـه وكذا أبــاه
فسلم فالقديــم بذا قدير
على فضل وكان بـه رؤوفـا
لإيمان بـه فضـلا منيفــا
وإن كان الحديث بـه ضـعيفا
وبعضهم أدخل مع أبويه أبا طالب وجده عبد المطلب كما في الحديث “شفعت في هؤلاء النفر أمي وعمى أبى طالب وأخي من الرضاعة يعنى ابن السعدية” رواه الخطيب عن ابن عباس مرفوعًا وقال هذا باطل ووافقه الشوكاني في الفوائد (ص323) وعلق بعضهم بقول أبى طالب عند موته: “على ملة عبد المطلب” قال لا يبعد أن تكون ملة عبد المطلب وهاشم وعبد مناف هي ملة إبراهيم حيث هم من أصوله”.
وقال الفخر الرازي: “إن آباء الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم إلى آدم على التوحيد لم يكن فيهم شرك” إلى غير ذلك من المبالغات والمخالفات للأحاديث الصحيحة الصريحة في كفر عبد المطلب وأبي طالب.
وفي المقابل:
روى عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ليت شعري ما فعل أبواي؟ (ثلاثا)، فنزلت: “إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ”(البقرة:119) (البقرة 119) فما ذكرهما حتى توفاه الله. أخرجه ابن جرير (2/558 رقم 1876) وهو حديث مرسل وفيه أيضا: موسى بن عبيدة: ضعيف جدًا وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث.
وقد وردت أحاديث صحيحة احتج بها في المسألة، عن أبى هريرة رضي الله عنـه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذنت ربى أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنـها تذكر بالموت” أخرجه مسلم (976) ـ وأبو داود (3234)، النسائي (4/90)، وابن ماجه (1572).
وعن أنس رضي الله أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبى؟ قال في النار. فلما قضى دعاه فقال: إن أبى وأباك في النار. أخرجه مسلم (347)، وابن حبان (574).
وهذه الأحاديث مع صحتها إلا أن للعلماء فيها تأويلات، منـها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك من باب التسلية للرجل، وفى الحديث الثاني فإن الأب يطلق على العم وما علا من الآباء أيضًا.
والخلاصة: أننا لا نحكم في هذه المسألة ولم نكلف ببحثها ونوكل أمرهما لله عز وجل ولا نقطع لأحد أنـه من أهل النار إلا بدليل صحيح لا يحتمل التأويل وأُحذر الخطباء وغيرهم من الخوض فيها وما ذكرتها إلا للتنبيه.
من أحاديث المبالغة في فضل النبي صلى الله عليه وسلم:
مكانة وفضل النبي صلى الله عليه وسلم ليست في حاجة إلى الكذابين حتى يضعوا أحاديث في فضله ولكننا نذكر بعض هذه الأحاديث للتنبيه على أنـها مكذوبة ولا تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
* عن عائشة رضى الله عنـها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء.
قال ابن الجوزي في العلل (1/168 رقم 266): هذا حديث لا يصح قال العقيلي: عبد الله بن محمد بن المغيرة يحدث بما لا أصل له وعباس بن الوليد كان ابن المديني يتكلم فيه.
* عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الغائط دخلت على أثره فلم أر شيئا فذكرت ذلك له فقال يا عائشة أما علمت أن أجسادنا نبتت على أرواح أهل الجنة فما خرج منا من شئ ابتلعته الأرض”. قال ابن حبان: موضوع، وليس له أصول، وقال البيهقي في الدلائل:”هذا من موضوعات الحسين لا ينبغي ذكره ففي الأحاديث الصحيحة المشـهورة من معجزاته كفاية عن كذب ابن عون”.
* عن ذكوان رحمـه الله: لم يُر لرسول الله صلى الله عليه وسلم “ظل في شمس ولا قمر” رواه الحكيم الترمذي وقال: معناه لئلا يطأ عليه كافر فيكون مذلة له”.
وقال غيره: إن ظله لم يكن يقع على الأرض، لأنـه كان نورًا، قالوا ويؤيده قوله في دعائه واجعلني نورا
وعن عثمان بن أبي العاص قال: أخبرتني أمي أنـها شـهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ولدته. قالت: فما شئ أنظر اليه في البيت إلا نوّر، وإني لأنظر الى النجوم تدنو مني حتى إني لأقول: لتقعن عليّ”.
رواه ابن عساكر (3/79)، والبيهقي في الدلائل (1/111).
قال الهيثمي في الزوائد ( 8/220):”رواه الطبراني وفيه عبد العزيز بن عمران وهو متروك”.
مواضيع ذات علاقة
[الأحاديث الموضوعة والضعيفة حول مولد النبي صلى الله عليه وسلم اعلم ساوه]
نویسنده و منبع | تاریخ انتشار: Wed, 21 Nov 2018 21:48:00 +0000